فبرَّزه، فضرَبَهُ مئةَ سوطٍ، ثُمَّ قال:"اذهبي، فأنتِ حُرَّةٌ لوجه الله، وأنتِ مولاةُ الله ورسولِه؛ أشهد! لَسَمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من حُرِقَ بالنَّار أو مُثِّل به فهُو حُرٌّ، وهو مولى الله ورسولهِ".
قال اللَّيثُ:"هذا أمرٌ معمولٌ به".
قال الطَّبَرانيُّ:"لم يَروِ هذا الحديث عن ابن جُريجٍ، إلَّا عُمَرُ بن عيسى. تفرَّد به اللَّيث".
وهذا حديثٌ مُنكَرٌ؛ وآفَتُه عُمَرُ بنُ عيسى هذا، فقد تَرجَمَهُ البُخاريُّ في "الكبير"(٣/ ٢/ ١٨٢)، وقال:"مُنكَرُ الحديث"، ونقل العُقيليُّ وابنُ عَديٍّ كلامَ البُخاريِّ فيه، وصرَّح ابنُ عَديٍّ والعُقيليُّ أنَّهُ تَفرَّد به، كما قال الطَّبَرانيُّ، وبهذا تَعلَمُ ما في قول الحاكم:"صحيح الإسناد"!
وقد أورد له الحاكمُ شاهدين دون القِصَّة.
إنَّما الذي صحَّ أنَّه حرَق بالنَّار، فهو عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -.
فقد أخرَجَ البُخاريُّ في "كتاب الجهاد"(٦/ ١٤٩)، وفي "استتابة المُرتَدِّين"(١٢/ ٢٦٧) من طريق عِكرِمةَ، قال: أُتِي عليٌّ - رضي الله عنه - بِزَنَادِقَةٍ، فأحرَقَهُم، فبلغ ذلك ابنَ عبَّاسٍ، فقال: لو كنتُ أنا، لم أَحرِقهُم؛ لنهي رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُعذِّبُوا بعذاب الله"، ولَقَتَلتُهم؛ لقول رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن بَدَّل دينه فاقتلوه".
وقال بعضُ النَّاس: إنَّه لم يَحرِقهُم، وإنَّما حَفَرَ لهم خندقًا.