عَارَضَهُ جِهَةُ كَوْنِهِ مُثْلَةً فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ وَإِشْعَارُ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ. وَقِيلَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةَ، وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ.
قَالَ: (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى) وَهَذَا لِلْعُمْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) لِقَوْلِهِ ﷺ «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ مِنْهَا» وَهَذَا يَنْفِي التَّحَلُّلَ عِنْدَ سَوْقِ الْهَدْيِ (وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) كَمَا يُحْرِمُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَإِنْ قَدَّمَ
عَارَضَهُ جِهَةُ كَوْنِهِ مُثْلَةً) وَالْمُثْلَةُ هِيَ أَنْ يَصْنَعَ بِالْحَيَوَانِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُثُلًا، وَقِيلَ هِيَ إيلَامُ مَا وَجَبَ قَتْلُهُ أَوْ أُبِيحَ قَتْلُهُ (فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ: الْإِشْعَارَ (مُثْلَةٌ وَإِنَّهُ) أَيْ: فِعْلُ الْمُثْلَةِ (مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ) بَيْنَ كَوْنِهِ سُنَّةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُثْلَةً (فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ) فَإِنْ قِيلَ: النَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ بِأُحُدٍ وَالْإِشْعَارُ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ فَأَيْنَ التَّعَارُضُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا قَامَ خَطِيبًا إلَّا نَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ»، فَكَانَ الْإِشْعَارُ مَنْسُوخًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ لِلْمُحْرِمِ لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَكْرَارِ النَّسْخِ.
وَقَوْلُهُ: (وَإِشْعَارُ النَّبِيِّ ﷺ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: ﵊ «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت» أَيْ: لَوْ عَلِمْت أَوَّلًا مَا عَلِمْت آخِرًا (لَمَا سُقْت الْهَدْيَ)، وَقِصَّةُ ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَفْسَخُوا إحْرَامَ الْحَجِّ وَيُحْرِمُوا بِالْعُمْرَةِ لَمَّا بَلَغُوا مَكَّةَ تَحْقِيقًا لِمُخَالَفَةِ الْكَفَرَةِ، وَكَانُوا لَا يَفْسَخُونَ وَلَا يَحْلِقُونَ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هَلْ يَحْلِقُ أَوْ لَا؟ فَاعْتَذَرَ النَّبِيُّ ﵊ وَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْت» إلَخْ، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ عَنْ التَّحَلُّلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَحَلَّلَ.
وَقَوْلُهُ: (وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute