فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ
قَالَ: (وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَالَ: «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَهَكَذَا هُوَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﵊ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ﵁. وَالْأَصْلُ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ. أَصْلُهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ، وَعَلَى هَذَا تَنْسَحِبُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فَنَقُولُ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْمَارِنَ أَوْ الْأَرْنَبَةَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا اللِّسَانُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ
فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ ذَكَرَ مَا هُوَ تَبَعٌ لَهَا وَهُوَ مَا دُونَهَا. قَالَ (وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) وَأَعَادَ ذِكْرَ النَّفْسِ فِي فَصْلِ مَا دُونَ النَّفْسِ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ ذَكَرْنَاهُ: يَعْنِي فِي أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ: يَجِبُ الدِّيَةُ بِسَبَبِ إتْلَافِهَا، كَمَا يُقَالُ فِي النِّكَاحِ حَلَّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﵊ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ».
وَقَوْلُهُ (وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ) يَعْنِي فِيمَا دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ كُلُّ مَا لَا ثَانِيَ لَهُ فِي الْبَدَنِ عُضْوًا كَانَ أَوْ مَعْنًى مَقْصُودًا تَجِبُ بِإِتْلَافِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَمِنْ الْأَعْضَاءِ مَا هُوَ إفْرَادٌ كَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُزْدَوِجٌ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْبَعٌ كَأَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَعْشَارٌ كَأَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَمِنْهَا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَالْأَسْنَانِ (وَالْأَصْلُ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا، فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ) وَقَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ وَالْجَمَالَ بِالْكَمَالِ، لِأَنَّ غَيْرَ الْكَامِلِ لَا يَجِبُ فِيهِ كُلُّ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْوِيتُ عُضْوٍ مَقْصُودٍ، كَمَا إذَا قَطَعَ لِسَانَ الْأَخْرَسِ أَوْ آلَةَ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَالْيَدَ الشَّلَّاءَ وَالرِّجْلَ الْعَرْجَاءَ وَالْعَيْنَ الْعَوْرَاءَ وَالسِّنَّ السَّوْدَاءَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَلَا الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ وَلَا فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ الْكَامِلَ فَيَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ (لِإِتْلَافِهِ كُلَّ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ، أَصْلُهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ، وَعَلَى هَذَا تَنْسَحِبُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ) فَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الْكَمَالِ قَائِمًا بِعُضْوٍ وَاحِدٍ فَعِنْدَ إتْلَافِهِ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعُضْوَيْنِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute