للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ عَلَيْهِ كَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي عَامَّةٌ

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ)

فَإِنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ، وَالْعَيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْعُشْرُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ كَاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنًا وَرُدَّ عَلَيْهِ عَقْدُ الرَّهْنِ فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا ارْتَهَنَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مَعَ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ فِيهَا فَأَخَذَ الْعُشْرَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ لِظُهُورِ الشُّيُوعِ فِيهِ فَكَذَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُشْرِ.

أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ وُجُوبَهُ) أَيْ وُجُوبَ الْعُشْرِ (لَا يُنَافِي مِلْكَهُ) فِي جَمِيعِ مَا رَهَنَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ جَازَ، وَلَوْ أَدَّى الْعُشْرَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ جَازَ فَصَحَّ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ خَرَجَ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الشُّيُوعُ فِي الرَّهْنِ لَا مُقَارِنًا وَلَا طَارِئًا، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَحَقَّ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فِيهِ، وَكَذَا فِيمَا وَرَاءَهُ لِأَنَّهُ مُشَاعٌ (قَوْلُهُ وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ) يَعْنِي مِنْ أُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا (فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (وَمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ) فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ كَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي: وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالتَّنْصِيصِ، لِأَنَّ أَمْرَهُ هَاهُنَا لَيْسَ لِلْإِلْزَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْإِنْفَاقِ حِسْبَةً وَدَيْنًا، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَثْبُتُ الْأَدْنَى. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ) فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَعِنْدَهُمَا يَلِي عَلَيْهِ.

يَعْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَمَّا نَفَذَ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَى الْحُرِّ كَانَ نَافِذًا حَالَ غَيْبَتِهِ وَحَضْرَتِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ نَفَذَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْقَاضِي حَالَ حُضُورِهِ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ بِخِلَافِ حَالِ غَيْبَتِهِ لِأَنَّ فِيهَا

ضَرُورَةً

(بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ) لَمَّا ذَكَرَ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الرَّهْنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ تَفْصِيلَ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ، إذْ التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ. قَالَ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ إلَخْ) رَهْنُ الْمُشَاعِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ وَغَيْرِهِ فَاسِدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ إذَا قُبِضَ؛ وَقِيلَ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>