للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا فِعْلُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ حَقَّقْنَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا لِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ مَالِكِهَا فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِلْعِصْمَةِ دُونَ فِعْلِ الدَّابَّةِ، وَلَنَا أَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَفِعْلُ الدَّابَّةِ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا وَكَذَا فِعْلُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُمَا حَقَّهُمَا لِعَدَمِ اخْتِيَارٍ صَحِيحٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةُ

قَالَ (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فِي الْمِصْرِ فَضَرَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ) مَعْنَاهُ: إذَا ضَرَبَهُ فَانْصَرَفَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا بِالِانْصِرَافِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ

قَالَ (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا وَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ وَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ دَفْعًا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا اسْتِرْدَادًا فِي الِانْتِهَاءِ، وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ عَمْدًا مِنْ الْمِفْصَلِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ، فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي الْقَطْعِ مِنْ الْمِفْصَلِ فَاعْتُبِرَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْيَدِ وَصِغَرِهَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ

فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ يَعُودُ عَلَى الْمُكْرِهِ فَيَقْتُلُهُ.

وَقَوْلُهُ (قَاتِلْ دُونَ مَالِك) أَيْ لِأَجْلِ مَالِك. وَقَوْلُهُ (فَكَذَا اسْتِرْدَادًا فِي الِانْتِهَاءِ) لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَتْبَعَهُ بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ قَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْيَدِ وَصِغَرِهَا) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهُوَ الْبَطْشِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلَا تَرِدُ الشَّجَّةُ الْمُوضِحَةُ إذَا أَخَذَتْ مَا بَيْنِ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَلَمْ تَأْخُذْهُ مِنْ الشَّاجِّ لِكِبَرِ رَأْسِهِ فَإِنَّ الْكِبَرَ قَدْ اُعْتُبِرَ وَخُيِّرَ الْمَشْجُوجِ بَيْنِ الْقِصَاصِ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ وَبَيْنِ أَخْذِهِ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>