أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا وَمُبْتَذَلًا وَقَدْ قَالَ: ﵊ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» الْحَدِيثُ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ.
قَالَ (وَلَا بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ)
بِهَا اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَهُ، إذْ النَّجِسُ لَا يُتَبَرَّكُ بِهِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبْتَذَلًا مُهَانًا وَفِي الْبَيْعِ وَالِانْتِفَاعِ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» وَالْوَاصِلَةُ مَنْ تَصِلُ الشَّعْرَ، وَالْمُسْتَوْصِلَة مَنْ يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: جَعَلَ الْمُصَنِّفُ ﵀ بَيْعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ إعْزَازًا فِيمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَ شَعْرَ الْآدَمِيِّ إهَانَةً لَهُ وَالْبَيْعُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِأَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا حَقَّرَهُ الشَّرْعُ فَبَيْعُهُ وَمُبَادَلَتُهُ بِمَا لَمْ يُحَقِّرْهُ إعْزَازٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِإِفْضَائِهِ إلَى إعْزَازِ مَا حَقَّرَهُ الشَّرْعُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا كَرَّمَهُ وَعَظَّمَهُ فَبَيْعُهُ وَمُبَادَلَتُهُ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ إهَانَةٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَحْقِيرِ مَا عَظَّمَهُ الشَّرْعُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ وَصْفِ الْمَحَلِّ شَرْعًا، ثُمَّ إنَّ عَدَمَ جَوَازِهِمَا لَيْسَ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ شَعْرَ غَيْرِ الْإِنْسَانِ لَا يَنْجُسُ بِالْمُزَايَلَةِ فَشَعْرُهُ وَهُوَ طَاهِرٌ أَوْلَى، وَلِأَنَّ فِي تَنَاثُرِ الشُّعُورِ ضَرُورَةً وَهِيَ تُنَافِي النَّجَاسَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْقَرَامِيلِ وَهِيَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ لِزَيْدٍ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ: أَيْ فِي أُصُولِ شَعْرِهِنَّ بِالتَّكْثِيرِ وَفِي ذَوَائِبِهِنَّ بِالتَّطْوِيلِ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا لِنَجَاسَتِهَا.
قَالَ ﷺ «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: نَجَاسَتُهَا مُجَاوِرَةٌ بِاتِّصَالِ الرُّسُومَاتِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا خَلْفِيَّةٌ فَمَا لَمْ يُزَايَلْ بِالدِّبَاغِ فَهِيَ كَعَيْنِ الْجِلْدِ، بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute