إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ الْآيَةَ، فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِي عَنْ الْمِنْبَرِ، وَالْأَحْوَطُ هُوَ السُّكُوتُ إقَامَةً لِفَرْضِ الْإِنْصَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الْإِمَامَةِ
(الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) لِقَوْلِهِ ﵊
- ﵊ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِإِقَامَةِ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ.
وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى: يَعْنِي إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ (قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ يُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ)؛ لِأَنَّ الْخَطِيبَ حَكَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُصَلِّي وَعَنْ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ، وَحَكَى أَمْرَ اللَّهِ بِذَلِكَ وَهُوَ قَدْ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ فَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِالصَّلَاةِ تَحْقِيقًا لِمَا طُلِبَ مِنْهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀، وَهَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمِنْبَرِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ نَائِيًا عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْلَى أَمْ الْإِنْصَاتُ.
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْإِنْصَاتُ أَوْلَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، وَقَدْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْئَانِ: الِاسْتِمَاعُ، وَالْإِنْصَاتُ، فَإِذَا تَهَيَّأَ لَهُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا عَمِلَ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الِاسْتِمَاعِ لِلتَّدَبُّرِ، وَحَيْثُ فَاتَ ذَلِكَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إحْرَازًا لِثَوَابِهِ.
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَفْعَالِ الْإِمَامِ مِنْ بَيَانِ وُجُوبِ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَمِنْ تَقْدِيرِ الْقِرَاءَةِ بِمَا هُوَ سُنَّةُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَذَكَرَ أَفْعَالَ الْمُقْتَدِي مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ أَتْبَعَهُ ذِكْرَ صِفَةِ شَرْعِيَّةِ الْإِمَامَةِ بِأَنَّهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هِيَ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ فَذَكَرَ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِمَامَةِ فَقَالَ (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute