كِتَابُ الْمُكَاتَبِ
قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى
(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَلِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَقَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ خَرَجَ بِهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ ذِكْرَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ. وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِشَخْصٍ وَمَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْعَرْضِيَّاتِ، وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ لِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّمْلِيكُ وَالشَّرَائِطُ فَكَانَ أَنْسَبَ بِالتَّقْدِيمِ. وَالْكِتَابَةُ عَقْدٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقَوْلُهُ عَقْدٌ يُخْرِجُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ يَتِمُّ بِالْمَوْلَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَقْدًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَكِنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ بِالْعَجْزِ يَعُودُ رَقِيقًا دُونَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ.
وَسَبَبُهَا مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ تَعَلُّقِ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ. وَشَرْطُهَا قِيَامُ الرِّقِّ فِي الْمَحَلِّ وَكَوْنُ الْمُسَمَّى مَالًا مَعْلُومًا قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ. وَحُكْمُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ انْفِكَاكُ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَثُبُوتُ مِلْكِ الْيَدِ حَتَّى يَكُونَ الْمُكَاتَبُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَفِي جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ الْبَدَلِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَتْ حَالَّةً، وَالْمِلْكُ فِي الْبَدَلِ إذَا قَبَضَهُ. وَأَلْفَاظُهَا الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ إذَا قَالَ قَبِلْت كَانَ ذَلِكَ كِتَابَةً، وَلَوْ قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهَا إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلَ نَجْمِ كَذَا وَآخِرَهُ كَذَا، فَإِذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ كَانَ كِتَابَةً. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ إلَخْ) إذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute