وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنَايَةٍ مُوجَبُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَصَاعِدًا وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: عَمْدُهُ عَمْدٌ حَتَّى تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ حَالَّةً) لِأَنَّهُ عَمْدٌ حَقِيقَةً، إذْ الْعَمْدُ هُوَ الْقَصْدُ غَيْرَ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْهُ أَحَدُ حُكْمَيْهِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَيَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي مَالِهِ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ، وَيَحْرُمُ عَنْ الْمِيرَاثِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْقَتْلِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ جَعَلَ عَقْلَ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ. وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ، وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالصَّبِيُّ قَاصِرُ الْعَقْلِ فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْقَصْدُ وَصَارَ كَالنَّائِمِ. وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ، وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سَتَّارَةٌ: وَلَا ذَنْبَ تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ. .
(فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ)
قَالَ: (وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) قَالَ ﵁:
وَقَوْلُهُ (عَمْدُهُ) أَيْ عَمْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَيُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ ثَبَتَ هَذَانِ الْحُكْمَانِ وَهُمَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْقَتْلِ) فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُمَا مُطَالَبَانِ بِمُوجَبِ الْقَتْلِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْهُمَا أَحَدُ حُكْمَيْ الْقَتْلِ وَهُوَ الْقِصَاصُ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الْآخَرِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إذْ الْأَصْلُ ذَلِكَ
عَقَّبَ أَحْكَامَ الْأَجْزَاءِ الْحَقِيقِيَّةِ أَحْكَامَ الْجُزْءِ الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْجَنِينُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْأُمِّ (وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) غُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ النَّجِيبِ، وَسُمِّيَ بَدَلُ الْجَنِينِ غُرَّةً لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute