للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْمَقْصُودُ التَّوَثُّقُ، وَبِالثَّانِيَةِ يَزْدَادُ التَّوَثُّقُ فَلَا يَتَنَافَيَانِ

(وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَجَائِزَةٌ مَعْلُومًا كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِأَلْفٍ أَوْ بِمَا لَك عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فَيَتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةَ، وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ إجْمَاعٌ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً،

مُوجِبَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ: أَيْ أَنْ يَلْتَزِمَ الْكَفِيلُ ضَمَّ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَمَا أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالْحُضُورِ بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ لِرُجُوعِهِ إلَى إلْزَامِ مَنْ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى الطَّلَبِ وَهُوَ خُلْفٌ بَاطِلٌ، وَالْمَقْصُودُ بِشَرْعِ الْكَفَالَةِ التَّوَثُّقُ وَبِالثَّانِيَةِ يَزْدَادُ التَّوَثُّقُ، وَمَا يُزَادُ بِهِ الشَّيْءُ لَا يُنَافِيهِ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ الْمُقْتَضِي لِجَوَازِهِ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفِيًا، فَالْقَوْلُ بِامْتِنَاعِهِ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَإِذَا صَحَّتْ الثَّانِيَةُ لَمْ يَبْرَأْ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا صَحَّحْنَاهَا لِيَزْدَادَ التَّوَثُّقُ، فَلَوْ بَرِئَ الْأَوَّلُ مَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ فَمَا فَرَضْنَاهُ زِيَادَةٌ لَمْ يَكُنْ زِيَادَةٌ هَذَا خُلْفٌ بَاطِلٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَبْرَأُ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الثَّانِي فَلَوْ بَقِيَ وَاجِبًا عَلَى الْأَوَّلِ كَانَ وَاجِبًا فِي مَوْضِعَيْنِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا كَفَلَ بِالدَّيْنِ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ وَالْأَصْلُ مُوَافَقَتُهَا وَيُفْضِي إلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّ فِيهَا يَبْرَأُ الْمُحِيلُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ نَفْسَ الْأَصِيلِ إلَى الطَّالِبِ بَرِئَ دُونَ صَاحِبِهِ.

قَالَ (وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَجَائِزَةٌ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُومًا كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِأَلْفٍ، أَوْ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِمَا لَك عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ: يَعْنِي مِنْ الضَّمَانِ بَعْدَ أَنْ كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فَإِنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَيُتَحَمَّلُ فِيهَا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ يَسِيرَةً وَغَيْرَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُتَعَارَفَةً. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ التَّبِعَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا بِالْمَجْهُولِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الضَّمَانَ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>