قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀) مَعْنَاهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ، وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَلِيقُ بِهِمَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى.
فِي هَذَا الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْكَفَالَةِ.
قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إلَخْ) مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ الْقِصَاصُ إذَا طَالَبَ مِنْهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يُحْضِرَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِإِثْبَاتِ مَا يَدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ عَنْ إعْطَائِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْكَفَالَةِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِسْنَادِ الْجَوَازِ إلَى الْكَفَالَةِ مَجَازٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا كَمَا فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ وَفِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُلُوصِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ، وَلَيْسَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ هَاهُنَا الْحَبْسَ بَلْ الْأَمْرُ بِالْمُلَازَمَةِ بِأَنْ يَدُورَ الطَّالِبُ مَعَ الْمَطْلُوبِ أَيْنَمَا دَارَ كَيْ لَا يَتَغَيَّبَ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى بَابِ دَارِهِ وَأَرَادَ الدُّخُولَ يَسْتَأْذِنُهُ الطَّالِبُ فِي الدُّخُولِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ يَدْخُلُ مَعَهُ وَيَسْكُنُ حَيْثُ سَكَنَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ يُجْلِسُهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الْكَفِيلِ بِهِ سَوَاءٌ أَعْطَاهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا. أَمَّا قَبْلَ إقَامَتِهَا فَلِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ حُضُورَ مَجْلِسٍ الْحُكْمِ بِسَبَبِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِي الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَهَذَا لَمْ يَكْفُلْ بِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصْلِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute