وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ قَوْلُهُ ﵊ «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهَا وَاجِبٌ فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ. قَالَ (وَلَا يُحْبَسُ فِيهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي)
وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يُحْبَسُ وَبِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِيثَاقُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ قَوْلُهُ: ﷺ «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) يَعْنِي بَيْنَ مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ، قِيلَ هَذَا مِنْ كَلَامِ شُرَيْحٍ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ. ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ شُرَيْحٍ.
وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ بِالتَّكْفِيلِ) فَإِنْ قِيلَ: حُبِسَ بِإِقَامَةِ شَاهِدٍ عَدْلٍ وَمَعْنَى الِاسْتِيثَاقِ فِي الْحَبْسِ أَتَمُّ مِنْ أَخْذِ الْكَفِيلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ عَلَى مَا يُذْكَرُ لَا لِلِاسْتِيثَاقِ (بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ) فَإِنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ وَيَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَحْلِفُ فِيهِ فَيُجْبَرُ الْمَطْلُوبُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِيهِ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ) أَيْ لَوْ تَبَرَّعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ لِلطَّالِبِ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ (وَحَدُّ الْقَذْفِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهِمَا وَاجِبٌ فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ الضَّمُّ) وَأَلْحَقَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ حَدَّ السَّرِقَةِ بِحَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ.
قَالَ (وَلَا يُحْبَسُ فِيهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ إلَخْ) لَا يَحْبِسُ الْحَاكِمُ فِي الْحُدُودِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيهِمَا: أَيْ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ: أَيْ يَعْرِفُ الْحَاكِمُ كَوْنَهُ عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ هَاهُنَا لِلتُّهْمَةِ: أَيْ لِتُهْمَةِ الْفَسَادِ لَا لِإِثْبَاتِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ كَامِلَةٍ
وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute