للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ هَاهُنَا، وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ: إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ.

؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْفَسَادِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ وَالدِّيَانَاتُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ مَا كَانَ الْحَبْسُ فِيهِ أَقْصَى عُقُوبَةٍ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ إذَا ثَبَتَتْ وَعَدَمُ مُوجِبَاتِ السُّقُوطِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْإِيفَاءِ لَا يُحْبَسُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَمَا كَانَ أَقْصَى الْعُقُوبَةِ فِيهِ غَيْرَ الْحَبْسِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَقْصَى فِيهَا الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ أَوْ الْجَلْدُ حَازَ الْحَبْسُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لِلتُّهْمَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَبْسُ لِلتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمُدَّعَى بِالْحُجَّةِ يُنَافِي الدَّرْءَ بِالشُّبُهَاتِ، وَالدَّرْءُ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِي الْحَبْسُ لِلتُّهْمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ لِلتُّهْمَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اتِّهَامُ الْحَاكِمِ أَيْضًا بِالتَّهَاوُنِ فِيهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الدَّرْءَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالتَّرْكَ وَالتَّهَاوُنَ حَرَامٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى فَسَادِ الْعَالَمِ الَّذِي شُرِعَ الْحُدُودُ لِدَفْعِهِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَحْبِسْهُ الْحَاكِمُ اُتُّهِمَ بِأَنَّهُ مُتَهَاوِنٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَادِحٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَالْإِيفَاءُ مِنْ أَمْثَالِهِ مَأْمُورٌ بِهِ فَيُحْبَسُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشِّهَادِ إذَا اتَّهَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْفَسَادِ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ الْحَاكِمِ، وَالْحَبْسُ مِنْ النَّبِيِّ فِي ذَلِكَ وَقَعَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ مِمَّنْ يَتَّهِمُ بِذَلِكَ، ثُمَّ إذَا سَمِعَ الْحُجَّةَ الْكَامِلَةَ تُحِيلُ لِلدَّرْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَذَكَرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>