كِتَابُ الْعَتَاقِ
الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ ﷺ «أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ. قَالَ (الْعِتْقُ يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي مِلْكِهِ) شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ وَالْبُلُوغِ
ذَكَرَ الْعَتَاقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهُ فِي أَنَّهُ إسْقَاطٌ بُنِيَ عَلَى السِّرَايَةِ وَاللُّزُومِ كَالطَّلَاقِ حَتَّى صَحَّ التَّعْلِيقُ وَصَارَ إعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ إمَّا إفْسَادًا فِي الْمِلْكِ أَوْ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْفَسْخَ بَعْدَ الثُّبُوتِ كَالطَّلَاقِ. وَمِنْ مَحَاسِنِهِ، أَنَّهُ إحْيَاءٌ حُكْمِيٌّ يُخْرِجُ الْعَبْدَ عَنْ كَوْنِهِ مُلْحَقًا بِالْجَمَادَاتِ إلَى كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْكَرَامَاتِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ. وَتَفْسِيرُهُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ، يُقَالُ: عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَصِيرُ الْمَرْءُ بِهَا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ. وَأَسْبَابُهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا الْإِعْتَاقُ، وَمِنْهَا دَعْوَى النَّسَبِ، وَمِنْهَا الِاسْتِيلَادُ، وَمِنْهَا مِلْكُ الْقَرِيبِ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ فِي دَارِنَا عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْهَا الْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمُعْتِقِ حُرًّا بَالِغًا مَالِكًا مِلْكَ الْيَمِينِ. وَرُكْنُهُ مَا ثَبَتَ بِهِ الْعِتْقُ؛ وَهُوَ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ. وَحُكْمُهُ زَوَالُ الرِّقِّ وَالْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ. وَأَنْوَاعُهُ الْمُرْسَلُ وَالْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا. (قَوْلُهُ شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعِتْقَ) يَعْنِي الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ قَالَ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute