للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

قَالَ (وَإِذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إِلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ، فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِرَبِ الْمَالِ) وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ زُفَرُ : يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَهُ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ، وَهَذَا الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ.

وَلَهُمَا أَنَّ الدَّفْعَ إِيدَاعٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِالْعَمَلِ فَكَانَ الْحَالُ مُرَاعًى قَبْلَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ

وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا الْجَارِيَةَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَدْ عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُضَارِبِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ الْأَلْفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَّعِيَ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ، لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْوَلَدِ لَمَّا اُسْتُحِقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ عَلَى الرِّبْحِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَمَلَّكَ الْمُدَّعِي نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا بِجَعْلِهَا أُمَّ وَلَدٍ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَيَضْمَنُ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِي صُنْعًا بَلْ يَعْتَمِدُ التَّمَلُّكَ وَقَدْ حَصَلَ، كَمَا إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ، كَالْأَخِ تَزَوَّجَ بِجَارِيَةِ أَخِيهِ فَاسْتَوْلَدَهَا فَمَاتَ الْمُزَوِّجُ وَتَرَكَ الْجَارِيَةَ مِيرَاثًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَأَخٍ آخَرَ فَمَلَكَهَا الزَّوْجُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ إعْتَاقٍ وَهُوَ إتْلَافٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ صُنْعِهِ.

وَقَوْلُهُ كَمَا مَرَّ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْعُقْرَ وَهُوَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَصَارَ كَالْكَسْبِ.

(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

مُضَارَبَةُ الْمُضَارِبِ مُرَكَّبَةٌ، فَأَخَّرَهَا عَنْ الْمُفْرَدَةِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي مُوجِبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ؛ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا بِتَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ، فَالْمُوجِبُ هُوَ حُصُولُ الرِّبْحِ، فَإِنْ رَبِحَ الثَّانِي ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: إذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: ضَمِنَ بِالدَّفْعِ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ هُوَ الدَّفْعُ عَلَى سَبِيلِ الْإِيدَاعِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ بِغَيْرِهِ، وَدَفْعُ الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَهُمَا أَنَّ دَفْعَهُ إيدَاعٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ لِلْمُضَارَبَةِ بِالْعَمَلِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَهُ مُرَاعًى: أَيْ مَوْقُوفًا إنْ عَمِلَ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّفْعَ قَبْلَ الْعَمَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>