وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ يَظْهَرُ أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ فَيَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ.
بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ
وَعَلَى صُورَتِهِ بِالتَّسَاوِي عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْجَوَازِ فَلِكَوْنِهَا غَيْرَ مَعْدُولَةٍ عَنْ أَصْلِهِ وَهُوَ أَصْلُ مُحَمَّدٍ فَلَيْسَتْ بِمُحْتَاجَةٍ إلَى دَلِيلٍ، وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ يَظْهَرُ خَلَلُ مَا قِيلَ إنَّ فِي قَوْلِهِ إنَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ يَظْهَرُ أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ نَوْعُ إخْلَالٍ حَيْثُ لَا يُعْلَمُ بِمَا ذُكِرَ مَوْضِعُ خِلَافِهِ مِنْ الْأَبْعَاضِ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الْأَبْعَاضِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ نَصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ بِالتَّنْصِيفِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَهَبْت لَكُمَا هَذِهِ الدَّارَ لَك نِصْفُهَا وَلِهَذَا نِصْفُهَا جَازَ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْأَبْعَاضِ بِالتَّنْصِيفِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ الْإِجْمَالُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى مَا عَدَلَ فِيهِ عَنْ أَصْلِهِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا صُورَةُ الْجَوَازِ فَلَيْسَتْ بِمُحْتَاجَةٍ إلَى الدَّلِيلِ لِجَرَيَانِهَا عَلَى أَصْلِهِ، وَوَضَحَ دَلَالَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ عَلَى تَحَقُّقِ الشُّيُوعِ فِي الْهِبَةِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبْعَاضِ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ: وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ، خَلَا أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُفَاضَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَبْنَى الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ فِي الْهِبَةِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ التَّفْصِيلَ إذَا لَمْ يُخَالِفْ مُقْتَضَى الْإِجْمَالِ كَانَ لَغْوًا كَمَا فِي التَّنْصِيفِ فِي الْهِبَةِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِجْمَالِ تَمَلُّكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، وَلَمْ يَزِدْ التَّفْصِيلُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فَكَانَ لَغْوًا، وَإِذَا خَالَفَهُ كَمَا فِي التَّثْلِيثِ كَانَ مُعْتَبَرًا وَيُفِيدُ تَفْرِيقَ الْعَقْدِ، فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الْإِفَادَةِ، وَكَمَا فِي الرَّهْنِ فَإِنَّ حَالَةَ التَّفْصِيلِ فِيهِ تُخَالِفُ حَالَةَ الْإِجْمَالِ لِأَنَّ عِنْدَ الْإِجْمَالِ يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْكُلِّ وَعِنْدَ التَّفْصِيلِ لَا يَثْبُتُ.
(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ الرُّجُوعُ صَحِيحًا، وَقَدْ يَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ مَانِعٌ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute