للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ مَتَى كَانَ يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (وَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَوْلَادٍ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَدْخُلُ)

اعْتِبَارًا بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ إذْ وُجُوبُ الصِّلَةِ يَنْتَظِمُهُمَا وَلِهَذَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُرِّ فِي حَقِّ الْحُرِّيَّةِ. وَلَهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا، غَيْرَ أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي الصِّلَةَ فِي الْوِلَادِ حَتَّى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَكْفِي فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا تَجِبَ نَفَقَةُ الْأَخِ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ قَرَابَةٌ تَوَسَّطَتْ بَيْنَ بَنِي الْأَعْمَامِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالثَّانِي فِي الْعِتْقِ،

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَسَائِلِ مَنْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مَنْ يَدْخُلُ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَالتَّبَعُ يَتْلُو الْأَصْلَ. قَالَ (وَإِذْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) تَقْدِيمُ الْأَبِ فِي الذِّكْرِ هَاهُنَا عَلَى ابْنِهِ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَمَّا فِي تَرْتِيبِ الْقُوَّةِ فِي الدُّخُولِ فِي كِتَابَتِهِ فَالِابْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ أَوْ مُشْتَرًى وَالْمَوْلُودُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُشْتَرَى، فَإِنَّ الْمَوْلُودَ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَيُقْبَلُ مِنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِ الْأَبِ، وَالْمُشْتَرِي يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَيُقْبَلُ مِنْهُ الْبَدَلُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ حَالًّا، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ السِّعَايَةِ عَلَى نُجُومِ الْأَبِ لِيَظْهَرَ نُقْصَانُ حَالِهِ عَنْ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ فِي التَّبَعِيَّةِ.

وَأَمَّا الْأَبُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاةِ ابْنِهِ الْمُكَاتَبِ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْبَدَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا، وَإِنَّمَا قَالَ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا يَقُلْ صَارَ مُكَاتَبًا، لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُكَاتَبًا لَكَانَ أَصْلًا وَلَقِيَتْ كِتَابَتُهُ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ الْأَصْلِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بِيعَ الْأَبُ لِمَا أَنَّ كِتَابَةَ الدَّاخِلِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَا الْأَصَالَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرَى لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ، وَإِذَا أَعْتَقَ الصَّغِيرَ يَسْقُطُ مِنْ الْبَدَلِ مَا يَخُصُّهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَى تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي أَمْرِ الْبَدَلِ لِتَقَرُّرِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْكِتَابَةِ.

وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَقَدْ كَانَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ مِنْ وَجْهٍ وَكَانَ الْبَدَلُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَمُقَابَلَةِ وَالِدِهِ فَلِهَذَا يَسْقُطُ مَا يَخُصُّهُ، ثُمَّ الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ جُعِلَ مُكَاتَبًا تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَإِذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَوْلَادٍ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَدْخُلُ اعْتِبَارًا بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَنْتَظِمُهُمَا، وَلِهَذَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُرِّ فِي حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ كَمَا عُرِفَ وَهَذَا لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ وَالْكَسْبُ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ) لَا فِي غَيْرِهِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ مُخَاطَبٌ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَجِبُ نَفَقَةُ الْأَخِ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ: أَيْ قَرَابَةَ الْأُخُوَّةِ (تَوَسَّطَتْ بَيْنَ) الْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ مِنْ (بَنِي الْأَعْمَامِ وَالْقَرَابَةُ) الْقَرِيبَةُ وَهِيَ (الْوِلَادُ) وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا (فَ) عَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ وَ (أَلْحَقْنَاهَا بِالثَّانِيَةِ) أَيْ الْقَرِيبَةِ فِي الْعِتْقِ حَتَّى إذَا مَلَكَ الْحُرُّ أَخَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا مَلَكَ وَالِدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>