جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ، فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ، إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ:
الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَرْعُ شَهَادَةِ الْأُصُولِ فَاسْتَحَقَّتْ التَّأْخِيرَ فِي الذِّكْرِ، وَجَوَازُهَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَزِمَتْ الْأَصْلَ لَاحِقًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ لِعَدَمِ الْإِجْبَارِ، وَالْإِنَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهَا فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهَا لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جُوِّزَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ: أَعْنِي الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ بَعُدَتْ (إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً) أَيْ لَكِنْ فِيهَا شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ لَمَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمْ لِعَدَمِ جَوَازِهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَهُوَ أَصْلٌ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ آخَرَ جَازَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ هُوَ شَهَادَةُ الْأُصُولِ، وَالْمَشْهُودُ بِهِ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ هُوَ مَا عَايَنُوهُ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بَدَلًا عَنْ شَهَادَةِ الْأُصُولِ فَلَمْ يَمْتَنِعُ إتْمَامُ الْأُصُولِ بِالْفُرُوعِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْبَدَلِيَّةُ فِيهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ) احْتِمَالٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ: يَعْنِي أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ، فَإِنَّ فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ تُهْمَةَ الْكَذِبِ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ، وَفِي شَهَادَةِ الْفُرُوعِ تِلْكَ التُّهْمَةُ مَعَ زِيَادَةِ تُهْمَةُ كَذِبِهِمْ مَعَ إمْكَانِ احْتِرَازٍ بِجِنْسِ الشُّهُودِ بِأَنْ يَزِيدُوا فِي عَدَدِ الْأُصُولِ عِنْدَ إشْهَادِهِمْ حَتَّى إنْ تَعَذَّرَ إقَامَةُ بَعْضٍ قَامَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute