فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ
قَالَ: (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ (فَلَا تَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْهِبَةِ (وَلَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ. وَكَذَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ. وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْفَقِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ.
بِجَوَازِهَا لَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ. بَلْ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ الرَّقَبَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقِيلَ عَلَيْهِ أَنَّ اشْتِقَاقَ الرُّقْبَى مِنْ الرَّقَبَةِ مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِبْدَاعُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا لِأَجْلِ مَا عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا جَوَابُهُمَا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَجَازَ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى؟» أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ﷺ سُئِلَ عَنْ الرُّقْبَى مُفَسَّرًا بِوَجْهٍ وَاضِحٍ صَحِيحٍ فَأَجَابَ بِجَوَازِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ)
لَمَّا كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُشَارِكُ الْهِبَةَ فِي الشُّرُوطِ وَتُخَالِفُهَا فِي الْحُكْمِ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَجَعَلَ لَهَا فَصْلًا. قَالَ (الصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ) الصَّدَقَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا مَقْبُوضَةً لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ فَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مُشَاعًا، لِمَا بَيَّنَّا فِي الْهِبَةِ أَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ الْمَشْرُوطِ، وَلَا رُجُوعَ فِيهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ فَصَارَتْ كَهِبَةِ عِوَضٍ عَنْهَا، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ حُصُولَ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يُقْطَعُ بِحُصُولِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ حُصُولُ الْوَعْدِ بِالثَّوَابِ فَإِذَا تَصَدَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute