وَالتَّعْلِيقُ بِالشُّرُوطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا.
قَالَ: (وَالْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) لِمَا رَوَيْنَا. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمُرَهُ. وَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّمْلِيكُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَالرُّقْبَى بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَائِزَةٌ)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك تَمْلِيكٌ. وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ كَالْعُمْرَى. وَلَهُمَا «أَنَّهُ ﵊ أَجَازَ الْعُمْرَى وَرَدَّ الرُّقْبَى» وَلِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا إنْ مِتَّ قَبْلَكَ فَهُوَ لَكَ، وَاللَّفْظُ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُ يُرَاقِبُ مَوْتَهُ، وَهَذَا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَبَطَلَ. وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ تَكُونُ عَارِيَّةً عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي مَجْلِسِ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ. وَقَوْلُهُ (بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا) هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ مَا لَا يُحْلَفُ بِهَا: أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ مِنْهَا. وَمِنْهَا مَا يُحْلَفُ بِهَا (كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) وَغَيْرِهِمَا
(وَالْعُمْرَى) وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لِشَخْصٍ عُمْرَهُ، فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ (جَائِزَةٌ لِلْمُعَمَّرِ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ لِمَا رَوَيْنَا) «أَنَّهُ ﷺ أَجَازَ الْعُمْرَى» (وَالشَّرْطُ) وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ (بَاطِلٌ لِمَا رَوَيْنَا) «أَنَّهُ ﵊ أَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعْمِرِ»، وَبُطْلَانُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ دَارِي لَك هِبَةٌ (وَالرُّقْبَى) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ دَارِي لَك رُقْبَى (بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) لَا تُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَارِيَّةً عِنْدَهُ يَجُوزُ لِلْمُعَمِّرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَيَبِيعَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ جَائِزَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك هِبَةٌ وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ إنْ كَانَ الرُّقْبَى مَأْخُوذًا مِنْ الْمُرَاقَبَةِ وَإِنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الْإِرْقَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: رَقَبَةُ دَارِي لَك فَصَارَ كَالْعُمْرَى (وَلَهُمَا) مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ شُرَيْحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَجَازَ الْعُمْرَى وَرَدَّ الرُّقْبَى» وَلِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ قَبْلَك فَهُوَ لَك أُخِذَتْ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُ يُرَاقِبُ مَوْتَهُ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ فَيَكُونُ بَاطِلًا) وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَى الرُّقْبَى عِنْدَهُمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute