وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَرِبَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهُ الذَّاهِبُ الْمُتَلَاشِي (وَلَوْ قَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ (وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ) لِأَنَّ الْمَحِلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظَ صَالِحٌ لَهَا (وَكَذَا إذَا قَالَ فَهُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ) لِمَا بَيَّنَّا وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تَبْطُلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فَبَقِيَ لِلْأَوَّلِ (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ لِلْوَرَثَةِ) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ.
(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ)
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحِلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقَّيْهِمَا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ فَيُجْعَلُ الْأَقَلُّ سَهْمًا وَالْأَكْثَرُ سَهْمَيْنِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ
وَقَوْله (وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا) وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ) قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا حَرْفَ الِاشْتِرَاكِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ بِعَيْنِهَا لِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى هَذَا التَّعْلِيلِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ) يُرِيدُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازُوا جَازَ وَإِلَّا فَلَا
لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ إلَخْ) وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ أَيْضًا بِذَلِكَ فَالْوَرَثَةُ إمَّا أَنْ يُجِيزُوهُمَا أَوْ لَا، فَإِنْ أَجَازُوا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، إذْ لَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَتَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَرَجُلَيْنِ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ) وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ) أَيْ لَا يَجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ فِي مَالِهِ سَهْمًا: أَيْ جَعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute