للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى. وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : تُقْبَلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى السَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِيهِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ غَيْرُ مُوفٍ وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ.

بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ، وَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَحَالُّ الشَّهَادَةِ وَالْمَحَالُّ شُرُوطٌ وَالشُّرُوطُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَأَصْلُ رَدِّ الشَّهَادَةِ وَمَبْنَاهُ التُّهْمَةُ، قَالَ «لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ» وَلِأَنَّهَا خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَحُجَّتُهُ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ فِيهِ وَبِالتُّهْمَةِ لَا يَتَرَجَّحُ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى فِي الشَّاهِدِ كَالْفِسْقِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ عَنْ غَيْرِ الْكَذِبِ مِنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ فَقَدْ لَا يَنْزَجِرُ عَنْهُ أَيْضًا فَكَانَ مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ، وَقَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى فِي الْمَشْهُودِ لَهُ مِنْ قَرَابَةٍ يُتَّهَمُ بِهَا بِإِيثَارِ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَالْوِلَادَةِ وَقَدْ تَكُونُ لِخَلَلٍ فِي أَدَاءِ التَّمْيِيزِ كَالْعَمَى الْمُفْضِي إلَى تُهْمَةِ الْغَلَطِ فِيهَا وَقَدْ تَكُونُ بِالْعَجْزِ عَمَّا جَعَلَ الشَّرْعُ دَلِيلَ صِدْقِهِ كَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إلَخْ) شَهَادَةُ الْأَعْمَى إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَتْ بِمَقْبُولَةٍ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قُبِلَتْ عِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>