(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ)
(وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَفَلَ كُلُّ
؛ لِأَنَّهَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى الدَّرَكِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ، وَلِكُلِّ ذَلِكَ وَجْهٌ يَجُوزُ الْحَمْلُ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ مُبْهَمًا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ.
وَأَمَّا جَوَازُ الثَّانِي: أَيْ ضَمَانُ الدَّرَكِ فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ فَصَارَ مُبَيِّنًا لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَبُو حَنِيفَةَ ﵀ قَالَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيصِ الْمَبِيعِ وَتَسْلِيمِهِ لَا مَحَالَةَ: أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَتَقْدِيرٍ وَهُوَ الْتِزَامُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ظَهَرَ مُسْتَحِقًّا فَرُبَّمَا لَا يُسَاعِدُهُ الْمُسْتَحِقُّ، أَوْ حُرًّا فَلَا يَقْدِرُ مُطْلَقًا، وَالْتِزَامُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ بَاطِلٌ، وَهُمَا جَعَلَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَكِ تَصْحِيحًا لِلضَّمَانِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إنْ عَجَزَ عَنْهُ وَضَمَانُ الدَّرَكِ صَحِيحٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ أَصْلٌ فَلَا تَشْتَغِلُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ فِي شُرُوطِهِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَانَا يَكْتُبَانِ فِي الشُّرُوطِ: فَمَا أَدْرَكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ أَوْ رَدُّ الثَّمَنِ، فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ بُطْلَانَ الضَّمَانِ إنَّمَا كَانَ بِالْخَلَاصِ مُنْفَرِدًا، أَمَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ فَهُوَ جَائِزٌ. قِيلَ وَعَلَى هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إنَّمَا هُوَ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الثَّمَنُ مَجَازًا شُهْرَةُ أَمْرِهِ مُتَعَذِّرَةٌ وَبَلَاغَةُ التَّرْكِيبِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ فِيمَا لَا يَلْتَبِسُ فَضِيلَةً، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ تَفْسِيرَ الْخَلَاصِ وَالدَّرَكِ وَالْعُهْدَةِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الدَّرَكِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْعُهْدَةِ أَيْضًا ثَابِتٌ. وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَمَّا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ فَقَدْ ذَكَرَ هُنَا: أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ الدَّرَكِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ بُطْلَانَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ:
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ كَفَالَةِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ كَفَالَةَ الِاثْنَيْنِ لِمَا أَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ طَبْعًا فَأُخِّرَ وَضْعًا لِيُنَاسِبَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ إلَخْ) إذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَبْدًا بِأَلْفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute