فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْهَا لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا لِمَا بَيَّنَّا (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَالْمُفَاوَضَةُ تَضَمَّنَتْ الْكَفَالَةَ فَصَارَ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ.
كِتَابُ الْوَقْفِ
لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ يُرِيدُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ جَارِيَةً بَيْنَنَا وَقَدْ وَهَبْت نَصِيبِي مِنْهَا لَك فَجَازَتْ الْهِبَةُ فِي الشَّائِعِ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا لَا تُقْسَمُ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ حَيْثُ يَقَعُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْهَا لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ.
وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ فَفَعَلَ لَا يَصِيرُ هِبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالْعِتْقُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْهِبَةِ فَكَيْفَ صَارَ هِبَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الشَّرِكَةِ بِالْهِبَةِ حُكْمًا لِلْإِذْنِ بِالْوَطْءِ، وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ فِي الْجَارِيَةِ بِالْهِبَةِ حُكْمًا لِلْإِحْلَالِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَحْلَلْت لَك وَطْءَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُخَاطَبِ حُكْمًا لِلْهِبَةِ بِالْإِحْلَالِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا لَا يَصِيرُ هِبَةً لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَهُوَ وَكِيلٌ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ ﵀ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ، وَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. قَوْلُهُ (وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ) ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
كِتَابُ الْوَقْفِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute