للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَيَطَأَهَا فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ (وَهَذَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لَهُ خَاصَّةً وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ. وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ إذْ هُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّابِتَةِ

لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَزُولَ الْإِحْصَارُ لَمْ يُطَالَبْ بِدَمِ الْإِحْصَارِ فَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا مَقْصُودًا فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمُحْصَرِ قَبْلَ فِعْلِ الْمَأْمُورِ فَعَرِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ عَنْ الْمَقْصُودِ، بِخِلَافِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَكَانَ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ أَمْرًا مَقْصُودًا، وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ بِأَدَاءِ الْآمِرِ نَفْسِهِ فَعَرِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ عَنْ الْمَقْصُودِ فَيَضْمَنُ.

وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَتَقْرِيرُ دَلِيلِهِمَا أَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ كَذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ.

وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ إنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لَهُ خَاصَّةً بِدَلِيلِ حِلِّ وَطْئِهَا، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ خَاصَّةً. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ وَأَدَّى الْمُشْتَرِي ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَكُلُّ مَا دَخَلَ فِي الشَّرِكَةِ وَأَدَّى الْمُشْتَرِي ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِشَيْءٍ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ الْإِذْنِ وَأَدَّى ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَبَيَّنَ دُخُولَهَا فِي الشَّرِكَةِ بِقَوْلِهِ (جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ) أَيْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا لَيْسَ بِمُسْتَثْنًى كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ تَحْتَهَا، وَشِرَاءُ الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِمُسْتَثْنًى فَيَدْخُلُ تَحْتَهَا لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرَى لَمْ يُعْتَبَرْ مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ وَاقِعَةً عَلَى الشَّرِكَةِ كَيْفَ كَانَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا كَمَا يَحِلُّ إذَا وَهَبَهُ نَصِيبَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقَوْلُهُ (غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّا يُوهِمُ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُشْبِهُ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَهُنَاكَ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا وَبَعْدَ الْإِذْنِ يَحِلُّ، فَأَزَالَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ: يَعْنِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَلَّ الْوَطْءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَهَا لِنَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>