بَابُ مَنْ يُكَاتِبُ عَنْ الْعَبْدِ
قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ أَدَّى عَنْهُ عَتَقَ، وَإِنْ بَلَغَ الْعَبْدُ فَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَارَتِهِ وَقَبُولُهُ إجَازَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يُعْتَقُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَبْدِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِلْعَبْدِ الْغَائِبِ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْقَائِلِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَيُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ لُزُومِ الْأَلْفِ عَلَى الْعَبْدِ. وَقِيلَ هَذِهِ هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ
(بَابُ مَنْ يُكَاتِبُ عَنْ الْعَبْدِ)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأَصِيلِ فِي الْكِتَابَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالنَّائِبِ فِيهَا، وَقَدَّمَ أَحْكَامَ الْأَصِيلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَصَرُّفِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ. قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِذَا كَاتَبَ الْحُرُّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُ عَتَقَ، وَإِنْ بَلَغَ الْعَبْدُ وَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ. وَاخْتَلَفَ شَارِحُوهُ فِي تَصْوِيرِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا: يَعْنِي إنَّ هَذَا الْعَقْدَ نَافِذٌ فِي حَقِّ مَالِ الْعَبْدِ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَنُفُوذِ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ هَذَا الْقَائِلِ وَمَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ لُزُومِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَ فُضُولِيٍّ وَمَالِكٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ، فَإِذَا قَبِلَهُ كَانَ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُ فَيَصِيرُ مُكَاتَبًا، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ نَفَذَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ، فَكَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَقُولَ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى عَتَقَ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ حَتَّى يُعْتَقَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ لِمَا مَرَّ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِلْعَبْدِ الْغَائِبِ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ: أَيْ فِي تَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ الْقَائِلِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَيَتَوَقَّفُ فِي لُزُومِ الْأَلْفِ الْعَبْدُ. قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُجِيزِ فِيمَا لَهُ وَفِيمَا عَلَيْهِ، وَهَاهُنَا لَا يَتَوَقَّفُ فِيمَا لَهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَالَهُ هَاهُنَا إسْقَاطٌ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَمَا عَلَيْهِ إلْزَامٌ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْأَدَاءِ وَلَا هُوَ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَدَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute