للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَصْفُ.

(وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِيهِ، وَالْإِطْلَاقَاتُ تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ خَطَأٌ فِيهِ، إذْ التَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَرْجِعُ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ. قُلْنَا لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ صَارَ كَأَنَّ اللَّهَ أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ. .

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فِي إتْيَانِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْأُخْرَى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ نَقِيضُهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَمْرَ لِطَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ الْقِمَارَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُورِ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِالْأَمْرِ فَيَأْتِي الْمَأْمُورُ بِمَا فِي وُسْعِهِ غَيْرَ مُرَاقِبٍ لِلسَّلَامَةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَبْقَى الْمَأْمُورُ فِي ضَرْبِ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَإِسْقَاطٌ لِكَوْنِهِ رَفْعُ الْقَيْدِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُطْلَقَ فِي اخْتِيَارِ فَاعِلِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْفَاعِلِ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي تَرْكِ وَصْفِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي التَّعْزِيرِ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ خَطَأٌ فِيهِ إذْ التَّعْزِيرُ لِلتَّأْدِيبِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَعُودُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ فِي مَالِهِمْ. قُلْنَا: إنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ صَارَ كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>