فِيهِمَا جَمِيعًا تَنْتَقِضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ضَرُورَةَ مُقَابِلَتِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَلَكِنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا (هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ خَالِصِ مِلْكِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
(فَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ)
قَالَ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عِنْدَ صُدُورِهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُؤَخَّرُ عَنْهُ،
كَانَتْ الْأُمُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهَا قَصْدًا ثُمَّ سَرَى حُكْمُ الْإِيجَابِ إلَى الْوَلَدِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالتَّبَعِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْأُمِّ ثُمَّ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ قَدْرُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأُمِّ كَانَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهَا فِي بَعْضِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْأَصْلِ بِالتَّبَعِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَقْضٌ لَهُ بِحِصَّتِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ضَرُورَةَ مُقَابَلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ؛ فَإِنَّ الْعِوَضَ الْوَاحِدَ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضَيْنِ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ النَّقْضَ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ بَعْضِ الثَّمَنِ بِالْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ مَقْبُوضًا بِالْأَصْلِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ يَأْخُذُ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَمَّا ذَكَرَ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْوَالِ الْمُتَغَيِّرَةِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ لِمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَارِضِ وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِثُلُثِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْأُصُولِ وَالْأَصْلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَارِضِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِامْرَأَةِ) وَاضِحٌ مَبْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَفَسَادُهَا كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا وَغَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي فَسَادِ الْإِقْرَارِ وَجَوَازِهِ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، فَمَتَى كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا يَوْمَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ مَرِيضًا. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ) فِيهِ تَلْوِيحٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ زُفَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقْرَارَ يُثْبِتُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ كَالْمَوْتِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُؤَخَّرُ عَنْهُ) أَيْ تَنْفِيذُ حُكْمِ الْإِقْرَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute