(فَصْلٌ). اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَصَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ إلَى آخِرِ الْآيَةِ.
دَمٌ لِلْقِرَانِ، وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ، فَكَأَنَّهُ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْكَاتِبِ، وَلَا عَيْبَ فِي السَّهْوِ عَلَى الْإِنْسَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: دَمُ الْقِرَانِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَدَمٌ آخَرُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَاجِبٌ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَدَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اخْتَارَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ دَمَ الْقِرَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآخَرَ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَذَكَرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ. قُلْت: يَأْبَاهُ قَوْلُهُ: فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوُجُوبِ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفَّارَةِ أَصْلًا، عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ لِمُحَمَّدٍ ﵀. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ مَضْمُونَةٌ بِالدَّمَيْنِ وَهُوَ اعْتِرَاضُ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ فِيهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمُفْرِدُ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا يَتَضَاعَفُ عَلَى الْقَارِنِ.
(فَصْلٌ)
لَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالصَّيْدِ نَوْعًا آخَرَ فُصِلَ عَمَّا قَبْلَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، (الصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ) فَقَوْلُهُ: الْحَيَوَانُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ الْمُمْتَنِعُ وَهُوَ الَّذِي يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّنْ قَصَدَهُ إمَّا بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ يُخْرِجُ الْحَيَوَانَاتِ الْأَهْلِيَّةَ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهِمَا وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ. وَقَوْلُهُ: الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَمَامُ الْمُسَرْوِلُ وَالظَّبْيُ الْمُسْتَأْنَسُ، وَتَخْرُجُ الْإِبِلُ الْمُتَوَحِّشَةُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوَحُّشَ فِي الثَّانِي عَارِضِيٌّ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: بَرِّيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ، وَبَحْرِيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَوْلِدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَالْبَطُّ وَالْإِوَزُّ بَرِّيٌّ؛ لِأَنَّ مَوْلِدَهُمَا الْبَرُّ، وَالضُّفْدَعُ بَحْرِيٌّ؛ لِأَنَّ مَوْلِدَهُ الْبَحْرُ (وَصَيْدُ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ) سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، (وَصَيْدُ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute