بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ
قَالَ (الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ إذَا قَتَلَ عَمْدًا) أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا حَقْنُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ
قَالَ (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ) لِلْعُمُومَاتِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ
مَجْرَاهُ، وَأَمَّا مَا دُونَهَا فَإِنَّهُ يَقْصِدُ إتْلَافَهُ بِغَيْرِهِ كَمَا يَقْصِدُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فَقْءَ الْعَيْنِ كَمَا يُقْصَدُ بِالسِّكِّينِ يُقْصَدُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ
(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَقْسَامِ الْقَتْلِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَهُوَ قَدْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ احْتَاجَ إلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَخْ) هَذِهِ ضَابِطَةٌ كُلِّيَّةٌ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَجِبُ لَهُ الْقِصَاصُ، وَحَقْنُ الدَّمِ مَنَعَهُ أَنْ يَسْفِكَ. وَقَوْلُهُ (عَلَى التَّأْبِيدِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ، فَإِنَّ فِي دَمِهِ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ الْمُزِيلَةِ لِلْمُسَاوَاةِ الْمُنْبِئِ عَنْهَا الْقِصَاصُ، وَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ الْعَمْدَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَمِنْ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِي وَصْفَ الْقِصَاصِ بِالْوُجُوبِ.
الثَّانِي أَنَّ حَقْنَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِأَنَّ أَنْهَى مَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَزُولُ بِالِارْتِدَادِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. الثَّالِثُ أَنَّهَا مَنْقُوضَةٌ بِمُسْلِمٍ قَتَلَ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ وَلَا قِصَاصَ، الرَّابِعُ أَنَّ قَيْدَ التَّأْبِيدِ لِثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا قَتَلَ الْمُسْتَأْمَنُ مُسْلِمًا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ ثُبُوتُ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَفْوِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ مَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالِارْتِدَادُ عَارِضٌ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَرُجُوعُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِهِ أَصْلٌ لَا عَارِضٌ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ لَكِنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ.
وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ إلَى نُقْصَانٍ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute