الْحُرِّ بِطَرَفِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ
وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ بِالدِّينِ وَبِالدَّارِ وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا، وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ
وَقَوْلُهُ لِلْعُمُومَاتِ يُرِيدُ بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ وَقَوْلُهُ ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ وَقَوْلَهُ ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ وَقَوْلَهُ ﷺ «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ﵀ وَوَجْهَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَهِيَ) أَيْ الْعِصْمَةُ (بِالدَّيْنِ) يَعْنِي عِنْدَهُ (أَوْ بِالدَّارِ) يَعْنِي عِنْدَنَا (وَ) الْعَبْدُ وَالْحُرُّ (يَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا) فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قَالَ جَازَ أَنْ تَكُونَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ مَانِعَةً وَهِيَ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَحَقِيقَةُ الْكُفْرِ تَمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا أَثَرُهُ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ) مَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ مَانِعًا، إذْ لَوْ صَلَحَ لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْمُقَابَلَةِ فِي الْآيَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ وَهُوَ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ ﴿وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى﴾ فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي الذَّكَرَ بِالْأُنْثَى وَلَا الْعَكْسَ بِالْإِجْمَاعِ، وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِ الْقَاتِلِ بِالْمَقْتُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ رَوَى أَنَّ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ تَدَّعِي إحْدَاهُمَا فَضْلًا عَلَى الْأُخْرَى اقْتَتَلَتَا، فَقَالَتْ مُدَّعِيَةُ الْفَضْلِ: لَا نَرْضَى إلَّا بِقَتْلِ الذَّكَرِ مِنْهُمْ بِالْأُنْثَى مِنَّا وَالْحَرِّ مِنْهُمْ بِقَتْلِ الْعَبْدِ مِنَّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ الْأَطْرَافِ. وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ، فَإِنَّهُ لَا تُقْطَعُ الْيَدُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ ثَابِتٌ فِي أَجْزَاءِ الْجِسْمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute