للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

لَهُ قَوْلُهُ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ

وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ وَالدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ

بِخِلَافِ النُّفُوسِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا يَعْتَمِدُهَا فِي الْعِصْمَةِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهَا عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ (وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ثُبُوتِ اقْتِصَاصِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، فَذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِهِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ. اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ قَالَ: «سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عِنْدَك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ سِوَى الْقُرْآنِ؟ قَالَ لَا، وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يُعْطَى فَهْمًا فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قُلْت: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ». وَبِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي وَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِيهِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا وَقْتَ الْقَتْلِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ أَيْ فِتْنَةُ الْكُفْرِ فَيُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. وَلَنَا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ» وَفِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ جَلَاءٌ لَا يُمَارَى. وَرُدَّ بِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى ابْنِ السَّلْمَانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ ابْنُ السَّلْمَانِيِّ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ، رُوِيَ عَنْهُ رَبِيعَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ» وَهُوَ مُرْسَلٌ مُنْكَرٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ابْنُ السَّلْمَانِيِّ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إذَا وَصَلَ فَكَيْفَ إذَا أَرْسَلَ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّعْنَ بِالْإِرْسَالِ وَالطَّعْنُ الْمُبْهَمُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ) يَعْنِي عِنْدَهُ (أَوْ الدَّارِ) يَعْنِي عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ.

وَقَوْلُهُ (وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>