فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَدَّهُ عُمَرُ ﵁، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَرَدَّهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ ﵃.
(وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّ التَّرَبُّصَ عِبَادَةٌ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ (وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَائِلَ لَوْ كَانَتْ كَالْحَامِلِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَمْ يَبْقَ لِتَخْصِيصِ الْحَامِلِ فِي النَّصِّ فَائِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ رَفْعُ الِاشْتِبَاهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْحَائِلَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَكَانَ يَشْتَبِهَ بِأَنَّ الْحَامِلَ أَيْضًا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ أَوْ زِيَادَةً فَرَفَعَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ مُدَّةِ الْحَمْلِ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَقَوْلُهُ (وَلَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُجْدَ هُوَ السَّعَةُ وَالْغِنَى وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَمْلِكُ بِهِ، أَمَّا الْإِسْكَانُ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ إسْكَانَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ حَيْثُ يَسْكُنُ هُوَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِنْفَاقَ مِنْ غَيْرِ مِلْكِهِ، وَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَلَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ.
وَقَوْلُهُ (سُنَّةَ نَبِيِّنَا) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَقَوْلُهُ (وَرَدَّهُ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) هُوَ زَوْجُ فَاطِمَةَ الرَّاوِيَةِ، فَإِنَّ أُسَامَةَ كَانَ إذَا سَمِعَهَا تُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَمَاهَا بِكُلِّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَتَنَتْ الْعَالِمَ: أَيْ بِرِوَايَتِهَا هَذَا الْحَدِيثَ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) ظَاهِرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute