فَصْلٌ
قَالَ: (وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ)؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِهَا.
فَصْلٌ)
لَمَّا كَانَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُتَعَلِّقَةً بِالْهِبَةِ بِنَوْعٍ مِنْ التَّعَلُّقِ ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مِنْهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ أَصْلُ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ. وَقِسْمٌ مِنْهَا مَا يَبْطُلَانِ فِيهِ جَمِيعًا. وَقِسْمٌ مِنْهَا مَا يَصِحَّانِ فِيهِ جَمِيعًا. فَالْأَوَّلُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْهِبَةِ وَمِنْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ الْجَارِيَةَ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا وَالْعَقْدُ لَا يَرِدُ عَلَى الْأَوْصَافِ مَقْصُودًا، حَتَّى لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ لِآخَرَ لَا يَصِحُّ، فَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ عَامِلًا انْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ تَبَعًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا، فَلَمَّا اُسْتُثْنِيَ الْحَمْلُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْلِ وَبَيْنَ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ الصُّوفَ عَلَى الظَّهْرِ وَأَمَرَهُ بِجَزِّهِ أَوْ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ وَحَلَبَهُ وَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا دُونَ الْحَمْلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وُجُودٌ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ، وَبِأَنَّ إخْرَاجَ الْوَلَدِ مِنْ الْبَطْنِ لَيْسَ إلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِي ذَلِكَ نَائِبًا عَنْ الْوَاهِبِ، بِخِلَافِ الْجِزَازِ فِي الصُّوفِ وَالْحَلْبِ فِي اللَّبَنِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ صِحَّةُ أَصْلِ الْعَقْدِ وَبُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ (هُوَ الْحُكْمُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ) إشَارَةٌ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي (لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِهَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute