للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ)

قَالَ: (وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، وَالْمُبَاشَرَةُ شَرْطٌ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْبِنَاءِ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَيَلَانُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَقَدْ اشْتَمَلَ هَوَاءَ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِمِلْكِهِ وَرَفْعُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي حِجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ بِهِ كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّفْرِيغِ فَيَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَائِطِ فَيَتَعَيَّنُ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ، وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يُتَحَمَّلُ لِدَفْعِ الْعَامِّ مِنْهُ، ثُمَّ فِيمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً دُونَ الْخَطَأِ فَيُسْتَحَقُّ فِيهِ التَّخْفِيفُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَالْإِجْحَافِ بِهِ، وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ كَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ يَجِبُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ، لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَالشَّرْطُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ وَطَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ إنْكَارِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ. وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ:

فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ)

لَمَّا كَانَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ يُنَاسَبُ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَالْجَنَاحَ وَالْكَنِيفَ وَغَيْرَهَا أَلْحَقَ مَسَائِلَهُ بِهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ (وَإِذَا مَالَ حَائِطٌ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) أَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهِ الْقِيَاسِ وَلَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ، وَعُلَمَاؤُنَا اسْتَحْسَنُوا إيجَابَ الضَّمَانِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يُتَحَمَّلُ لِدَفْعِ الْعَامِّ) كَالرَّامِي إلَى الْكُفَّارِ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَقَطْعِ الْعُضْوِ لِلْأَكْلَةِ عِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ (وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ) قَالَ مُحَمَّدٌ : إنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فِي النَّقْدِ، وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ، لِأَنَّ كَوْنَ الدَّارِ فِي يَدِهِ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ (وَالشَّرْطُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْحَقِّ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ يَقُولُ مَائِلٌ فَانْقُضْهُ أَوْ اهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ وَلَا يُتْلِفَ شَيْئًا. وَلَوْ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَهْدِمَهُ فَذَاكَ مَشُورَةٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ مِنْ صَاحِبِ حَقٍّ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَامَّةِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً إنْ مَالَ إلَى طَرِيقِهِمْ وَوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ السِّكَّةِ الْخَاصَّةِ إنْ مَالَ إلَيْهَا وَصَاحِبِ الدَّارِ أَوْ سُكَّانِهَا إنْ مَالَ إلَيْهَا، وَأَنْ يَكُونَ إلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِيغِ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ يَسْكُنُ الدَّارَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَلَمْ يُنْقَضْ حَتَّى سَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. وَقَوْلُهُ (وَالشَّرْطُ هُوَ التَّقَدُّمُ دُونَ الْإِشْهَادِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>