للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي. .

قَالَ: (وَلَوْ بَنَى الْحَائِطَ مَائِلًا فِي الِابْتِدَاءِ قَالُوا: يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَعَدٍّ ابْتِدَاءً كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجَنَاحِ. قَالَ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى التَّقَدُّمِ) لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْقَتْلِ، وَشَرْطُ التَّرْكِ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ النَّقْضِ لِيَصِيرَ بِتَرْكِهِ جَانِيًا، وَيَسْتَوِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةٌ بِالتَّفْرِيغِ فَيَتَفَرَّدُ كُلُّ صَاحِبِ حَقٍّ بِهِ. .

قَالَ: (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالْمُطَالَبَةُ إلَى مَالِكِ الدَّارِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ لِأَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا، وَلَوْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاكِنُوهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ بِالْحَائِطِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَقَّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ إلَيْهِمَا إبْطَالُ حَقِّهِمْ. .

وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِتَرْكِ الْهَدْمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ وَقَدْ زَالَ تَمَكُّنُهُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْبَيْعِ فَلَا يَبْرَأُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِتَرْكِهِ التَّفْرِيغَ مَعَ تَمَكُّنِهِ بَعْدَ مَا طُولِبَ بِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى كُلِّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَتَفْرِيغِ الْهَوَاءِ، وَمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودَعِ وَسَاكِنِ الدَّارِ، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الرَّاهِنِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْفِكَاكِ وَإِلَى الْوَصِيِّ وَإِلَى أَبِي الْيَتِيمِ أَوْ أُمِّهِ فِي حَائِطِ الصَّبِيِّ لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ، وَذَكَرَ الْأُمَّ فِي الزِّيَادَاتِ وَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ، وَإِلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ

حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ

وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ) أَيْ فِعْلُ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ وَالْأُمِّ كَفِعْلِ الصَّبِيِّ، وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِمْ كَالتَّقَدُّمِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا هَدَرَ الْقَتِيلُ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّقَدُّمَ إلَيْهِمَا جُعِلَ كَالتَّقَدُّمِ إلَى الصَّغِيرَةِ مَا دَامَتْ وِلَايَتُهُمَا بَاقِيَةً وَقَدْ زَالَتْ بِالْبُلُوغِ فَصَارَ كَأَنَّ التَّقَدُّمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، ثُمَّ إنَّهُمَا فِي تَرْكِ الْهَدْمِ يَعْمَلَانِ لِلصَّبِيِّ وَيَنْظُرَانِ لَهُ فَكَانَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيُّ إذَا تَرَكَ النَّقْضَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ أَلْحَقَ ضَرَرًا بِمَالِ الْيَتِيمِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>