وَالِاخْتِيَارُ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِهِ كَالْهَازِلِ.
(وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ) وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ بِالْعَقْلِ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ.
الْهَلَاكَ وَالطَّلَاقَ وَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَاخْتِيَارُ أَهْوَنِ الشَّرَّيْنِ آيَةُ الْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكُلُّ مَنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ كَذَلِكَ لَا يَعْرَى فِعْلُهُ عَنْ حُكْمِهِ كَمَا فِي الطَّائِعِ؛ إذْ الْعِلَّةُ فِيهِ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُكْرَهِ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَمَّا تُوُعِّدَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الْجُرْحِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ مُخْتَارًا لَمَا كَانَ لَهُ اخْتِيَارُ فَسْخِ الْعُقُودِ الَّتِي بَاشَرَهَا مُكْرَهًا مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَكَانَ لَهُ فَسْخُ الْعُقُودِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَعَدَمُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِهِ كَالْهَازِلِ وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُ السَّبَبَ دُونَ الْحُكْمِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْنَ الْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ فَرْقٌ وَهُوَ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَهُ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ وَلِلْهَازِلِ اخْتِيَارٌ كَامِلٌ، وَالْفَاسِدُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْهَازِلِ الْوُقُوعُ فِي الْمُكْرَهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْهَازِلَ اخْتِيَارًا كَامِلًا فِي السَّبَبِ، أَمَّا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ السَّبَبِ فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ أَصْلًا فَكَانَ اخْتِيَارُ الْهَازِلِ أَيْضًا غَيْرَ كَامِلٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ فَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَكَانَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ جَائِزًا.
(وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ عَدَمَهُ) وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ، خَلَا أَنَّ فِي كَلَامِهِ تَسَامُحًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَقْلَ زَائِلًا بِالسُّكْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَلَا خِطَابَ بِلَا عَقْلٍ بَلْ هُوَ مَغْلُوبٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمَغْلُوبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute