للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهُ زَالَ (بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ، حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصُدِعَ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ).

كَالْمَعْدُومِ وَأَطْلَقَ الزَّوَالَ مُجَارَاةً لِلْخَصْمِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ شُرْبَ الْمُسْكِرِ كَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَمَا بَالُ السَّفَرِ صَارَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ دُونَ شُرْبِ الْمُسْكِرِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ الْعَقْلُ بَاقِيًا فِي الطَّلَاقِ حُكْمًا زَجْرًا لَهُ كَانَتْ الرِّدَّةُ وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ وَالْعُقُوبَةَ هُنَاكَ أَتَمُّ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الشُّرْبَ نَفْسَهُ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ فِيهِ إمْكَانُ انْفِصَالٍ وَلَا جِهَةُ إبَاحَةٍ تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّخْفِيفِ إلَيْهَا فَجُعِلَ بَاقِيًا زَجْرًا، بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَأَمْكَنَ انْفِصَالُهَا عَنْهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَكَانَتْ جِهَةُ إبَاحَتِهِ تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّخْفِيفِ وَالتَّرَخُّصِ إلَيْهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الرِّدَّةِ الِاعْتِقَادُ، وَالسَّكْرَانُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِمَا يَقُولُ فَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا لَا لِلتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ.

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ فَإِنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَيُجْعَلُ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَيُؤَثِّرُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ. وَفِي قَوْلِهِ: بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ إشَارَةً إلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدِهِمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشُّرْبِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُرَتَّبٌ عَلَى سُكْرٍ يَكُونُ مَحْظُورًا.

وَأَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُبَاحٍ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَالْخَمْرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا بِالْقَتْلِ فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ فِي حَقِّ مَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصَدَعَ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَالُهُ بِمَعْصِيَةٍ. وَاعْتُرِضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>