قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا رُجُوعَ فِيهَا لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ التَّمْلِيكَ، وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي مَا يُضَادُّهُ، بِخِلَافِ هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ؛ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ؛
ذَلِكَ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِهِ (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا) وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ هَاهُنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ. فَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَمَنْ كَانَ مَحْرَمًا لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ كَالْأَخِ الرَّضَاعِيِّ. وَخَرَجَ بِالتَّذْكِيرِ فِي قَوْلِهِ وَهَبَ وَأَجْنَبِيٌّ الزَّوْجَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَالثَّانِي وَلَمْ يَقْتَرِنْ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ شَيْءٌ حَالَ عَقْدِ الْهِبَةِ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهُمَا اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يُفْهَمُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا رُجُوعَ فِيهَا لِقَوْلِهِ ﷺ «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ») رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵃ (وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ التَّمْلِيكَ وَالْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مَا يُضَادُّهُ) (قَوْلُهُ بِخِلَافِ هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي هِبَةِ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَمْ يَتِمَّ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهُ (قَوْلُهُ عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ لِلْأَبِ حَقَّ الْمِلْكِ فِي مَالِ ابْنِهِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ أَوْ كَسْبُهُ فَالتَّمْلِيكُ مِنْهُ كَالتَّمْلِيكِ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ (وَلَنَا قَوْلُهُ ﷺ «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَئِبْ مِنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوِّضْ) لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَقُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِغَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute