للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَأَشْبَهَ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَالثَّانِي يَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ. قَالَ: (وَإِنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَجِبُ حَالَّةً لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ يَجِبُ حَالًّا، وَالتَّأْجِيلُ لِلتَّخْفِيفِ فِي الْخَاطِئِ وَهَذَا عَامِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَ جَبْرًا لِحَقِّهِ، وَحَقُّهُ فِي نَفْسِهِ حَالٌّ فَلَا يَنْجَبِرُ بِالْمُؤَجَّلِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَدِيَةِ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَقَوُّمَ الْآدَمِيِّ بِالْمَالِ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ، وَالتَّقْوِيمُ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا لَا مُعَجَّلًا فَلَا يَعْدُلُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا إلَى زِيَادَةٍ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّغْلِيطُ بِاعْتِبَارِ الْعَمْدِيَّةِ قَدْرًا لَا يَجُوزُ وَصْفًا (وَكُلُّ جِنَايَةٍ اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي فَهِيَ فِي مَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَعَدَّى الْمُقِرَّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ. .

قَالَ: (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ) عَلَى الْعَاقِلَةِ،

وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً) يَعْنِي لَا بِعَقْدٍ يَحْدُثُ بَعْدُ. الْقَتْلُ كَالصُّلْحِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا) كَانَ حُكْمُهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ الضَّابِطَةِ الْكُلِّيَّةِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ (لَا سِيَّمَا إلَى زِيَادَةٍ) يَعْنِي الْمُعَجَّلَ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْمُؤَجَّلِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، فَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا بِالْقَتْلِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّغْلِيظُ بِاعْتِبَارِ الْعَمْدِيَّةِ قَدْرًا لَا يَجُوزُ وَصْفًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَدْرِ، وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا اعْتِرَافًا»

<<  <  ج: ص:  >  >>