وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَضْمَنْ (وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَتَقَلَّدَهَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الثَّلَاثَةِ وَضَمِنَ فِي السَّيْفَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقَلُّدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تَجْرِ بِتَقَلُّدِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ، إنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَمَّلُ بِذَلِكَ فَهُوَ حَافِظٌ فَلَا يَضْمَنُ
قَالَ (وَأُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَافِظِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ إصْلَاحُهُ وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ، وَأُجْرَةُ الرَّاعِي فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَفُ الْحَيَوَانِ، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كِسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ، وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ، وَكَرْيُ النَّهْرِ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجُذَاذُهُ، وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بَدَلُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ الرَّهْنُ فِيهِ، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كِرَاءَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جُعْلُ الْآبِقِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ لِيَرُدَّهُ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالرَّدُّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ، وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودِعِ فِيهَا فَلِهَذَا يَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ لَهُ
فَأَمَّا الْجُعْلُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَمُدَاوَاةُ الْجِرَاحَةِ وَالْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ تَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، وَالْعُشْرُ فِيمَا يَخْرُجُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ
إذَا ارْتَهَنَتْ وَسَلَّمَتْ الرَّهْنَ إلَى الزَّوْجِ لَمْ يَضْمَنْ، وَالِابْنُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَكُونُ فِي نَفَقَتِهِ إذَا سَاكَنَ الْأَبَ وَخَرَجَ الْأَبُ عَنْ الْمَنْزِلِ وَتَرَكَ الْمَنْزِلَ عَلَى الِابْنِ لَمْ يَضْمَنْ.
قَالَ (وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) فَإِنْ أَبَى فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُرْتَهِنَ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَضَى الدَّيْنَ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ النَّفَقَةَ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّاهِنِ فِي قَوْلِ زُفَرَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ) كَجُعْلِ الْآبِقِ (أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ) كَمُدَاوَاةِ الْجِرَاحِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بَدَلُهُ عَلَيْهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ شَيْئًا عَلَى الْحِفْظِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ.
وَقَوْلُهُ (لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ) يَعْنِي بِخِلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute