النُّطْقُ، وَكَذَا فِي قَطْعِ بَعْضِهِ إذَا مَنَعَ الْكَلَامَ لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ قَائِمَةً، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ قِيلَ: تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ: عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ؛ فَبِقَدْرِ مَا لَا يَقْدِرُ تَجِبُ، وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْكَلَامِ، وَكَذَا الذَّكَر لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِهِ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْي بِهِ وَدَفْقِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْلَاقِ عَادَةً، وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، لِأَنَّ الْحَشَفَةَ أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ. .
قَالَ: (وَفِي الْعَقْلِ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ الدِّيَةُ) لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ إذْ بِهِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ (وَكَذَا إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ)
وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِأَرْبَعَةِ أَعْضَاءٍ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَشَرَةٍ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِأَكْثَرَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (قِيلَ تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ) يَعْنِي عَلَى جُمْلَةِ الْحُرُوفِ مِمَّا تَعَلَّقَ بِاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ الْأَلِفُ وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ، وَفِي كَوْنِ الْأَلِفِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَمَا لَمْ يُمْكِنْهُ إتْيَانُ حَرْفٍ مِنْهَا يَلْزَمُهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدِّيَةِ. رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِ رَجُلٍ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ ﵁ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ (اب ت ث)، فَكُلَّمَا قَرَأَ حَرْفًا أَسْقَطَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَمَا لَمْ يَقْرَأْ أَوْجَبَ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيلِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ صَحَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَبِأَنَّ إقَامَةَ بَعْضِ الْحُرُوفِ وَهُوَ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى اللِّسَانِ إنْ تَهَيَّأَتْ بِدُونِ اللِّسَانِ، لَكِنَّ الْإِفْهَامَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَتَهَيَّأُ فَيَجِبُ الِامْتِحَانُ بِالْجَمِيعِ، وَكَذَا إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ اخْتَلَفَ طُرُقُ التَّعْبِيرِ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ هَذِهِ الْحَوَاسِّ، فَقِيلَ إذَا صَدَّقَهُ الْجَانِي أَوْ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى الْبَتَاتِ وَنَكَلَ ثَبَتَ قِوَامُهَا، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّلَائِلُ الْمُوَصِّلَةُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ، فَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ السَّمْعِ أَنْ يُتَغَافَلَ وَيُنَادَى، فَإِنْ أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ يَسْمَعُ. وَحَكَى النَّاطِفِيُّ عَنْ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي أَنَّ امْرَأَةً تَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً: غَطِّي عَوْرَتَك، فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا وَظَهَرَ مَكْرُهَا. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْبَصَرِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ، فَإِنْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّ الضَّوْءَ بَاقٍ، وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ عُلِمَ أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةٌ، فَإِنْ هَرَبَ مِنْ الْحَيَّةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بَصَرُهُ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الشَّمِّ بِأَنْ يُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، فَإِنْ نَفَرَ عَنْهَا عُلِمَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute