قَالَ: (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ ﵊ «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ» وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا. وَلِلشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ». وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَكَذَلِكَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ﵄، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ﵀ لَمْ يُعْرَفْ رَاوِيهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ أَشْهُرُ مِمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ ﵃. .
وَمَا فَوْقَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ التَّبَعِ لِلْأَصْلِ، وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ نَادِرٌ، وَمِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي يُحِيلُهُ عَقْلُ كُلِّ عَاقِلٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالشَّاذِّ النَّادِرِ، وَقَوْلُ سَعِيدٍ إنَّهُ السُّنَّةُ يُرِيدُ بِهِ سُنَّةَ زَيْدٍ، فَإِنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةَ الرَّسُولِ ﵊ لَمَا خَالَفُوهَا.
قَالَ (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) دِيَةُ الذِّمِّيِّ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ رِجَالُهُمْ كَرِجَالِهِمْ وَنِسَاؤُهُمْ كَنِسَائِهِمْ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَكَلَامُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَاضِحٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ﴾ وَبِقَوْلِهِ ﷺ «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ غَيْرِهِمْ لَا تَتَكَافَأُ، وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْكُفْرِ فَوْقَ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ، وَبِالْأُنُوثَةِ تَنْقُصُ الدِّيَةُ فَبِالْكُفْرِ أَوْلَى، وَبِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ وَبِهِ تَنْقُصُ الدِّيَةُ فَبِالْكُفْرِ الْمُوجِبِ لَهُ أَوْلَى.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُعَارِضَانِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ وَالْمَعْهُودُ مِنْ الدِّيَةِ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ. وَعَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَعَنْ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ مِنْ حَيْثُ النُّقْصَانُ فِي الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الْمَالَ دُونَ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الرِّقُّ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالذِّمِّيُّ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي الْمَالِكِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الدِّيَةِ، وَلَا يَرْتَابُ أَحَدٌ أَنَّ نَفْسَ كُلِّ شَخْصٍ أَعَزَّ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ، وَالذِّمِّيُّ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي ضَمَانِ مَالِهِ إذَا أُتْلِفَ فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ كَانَتْ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ مُعَاوِيَةَ جَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ لِشُهْرَتِهِ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: دِيَةُ الذِّمِّيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَمَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَدَى ذِمِّيًّا قُتِلَ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ» لَكَانَ لَنَا مِنْ الظُّهُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute