وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوُقُوفَ فِي الْمَفَازَةِ، وَهَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا.
(فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ انْصَرَفَتْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِطَوَافِ الصَّدْرِ) «؛ لِأَنَّهُ ﵊ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ».
(وَمَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ)؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَنْ يُصْدَرُ إلَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا بَعْدَمَا حَلَّ النَّفَرُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَيَرْوِيهِ الْبَعْضُ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
- ﷺ أَبَا بَكْرٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» " دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ؛ (وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ) وَالْحَائِضُ مَنْهِيَّةٌ عَنْ دُخُولِهِ، (وَالْوُقُوفَ فِي الْمَفَازَةِ) وَلَيْسَتْ بِمَنْهِيَّةٍ عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِهِ مَعَ قِيَامِ الْحَيْضِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا) لِلنَّظَافَةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِطَوَافِ الصَّدْرِ) أَيْ: لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ؛ «لِأَنَّهُ ﷺ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ»، رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﵊: عَقْرَى حَلْقَى إنَّك لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْت طُفْت يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ ﵊: فَلَا بَأْسَ انْفِرِي» فَلَمَّا ثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ لَمْ يَجِبْ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ نُسُكٍ جَازَ تَرْكُهُ بِعُذْرٍ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ كَفَّارَةٌ، وَعَقْرَى وَحَلْقَى عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَعْلَى، وَمَعْنَاهُ: عَقَرَ جَسَدُهَا وَأَصَابَهَا فِي حَلْقِهَا وَجَعٌ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (لِأَنَّهُ وَجَبَ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّتِهِ الْإِقَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ) كَمَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ لِأَنَّهُ صَارَ كَمُقِيمٍ سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَسْقُطُ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الطَّوَافِ بَاقٍ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ، وَمَا بَقِيَ الْوَقْتُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَسْقُطُ بِالْعَارِضِ الْمُعْتَبَرِ كَالْمَرْأَةِ الَّتِي حَاضَتْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute