للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ الدَّمُ بِنَفْسِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ يَتَكَامَلُ بِالِاشْتِمَالِ عَلَى بَدَنِهِ.

وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى التَّرَفُّقِ مَقْصُودٌ مِنْ اللُّبْسِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ؛ لِيَحْصُلَ عَلَى الْكَمَالِ وَيَجِبُ الدَّمُ، فَقُدِّرَ بِالْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ فِيهِ ثُمَّ يُنْزَعُ عَادَةً وَتَتَقَاصَرُ فِيمَا دُونَهُ الْجِنَايَةُ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَقَامَ الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ.

حُكْمُ اللَّيْلَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى التَّرَفُّقِ مَقْصُودٌ مِنْ اللُّبْسِ) لِأَنَّهُ أَعَدَّ لِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ يَمْتَدُّ فَيَكُونُ الِارْتِفَاقُ كَامِلًا، وَقَدْ يُقَصِّرُ فَيَصِيرُ نَاقِصًا، فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ الْكَامِلِ وَالْقَاصِرِ لِيَتَعَيَّنَ الْجَزَاءُ بِحَسَبِ ذَلِكَ فَقُدِّرَ بِالْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ؛ (لِأَنَّهُ يُلْبَسُ فِيهِ ثُمَّ يُنْزَعُ عَادَةً) فَإِنَّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا يَلِيقُ بِالنَّهَارِ يَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا يَلِيقُ بِاللَّيْلِ يَنْزِعُهُ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا نَزَعَ دَلَّ عَلَى تَمَامِ الِارْتِفَاقِ فَيَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ تَتَقَاصَرُ الْجِنَايَةُ فِيهِ لِنُقْصَانِ الِارْتِفَاقِ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ، (غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَقَامَ الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ)؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ فَيَنْزِعُ ثِيَابَهُ الَّتِي لَبِسَهَا لِلنَّاسِ، فَكَانَ اللُّبْسُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ ارْتِفَاقًا مَقْصُودًا، وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَإِنَّ أَحْوَالَ رُجُوعِ النَّاسِ إلَى بُيُوتِهِمْ قَبْلَ اللَّيْلِ مُخْتَلِفَةٌ، بَعْضُهُمْ يَرْجِعُ فِي وَقْتِ الضُّحَى، وَبَعْضُهُمْ قَبْلَهُ، وَبَعْضُهُمْ بَعْدَهُ، فَكَانَ الظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>