ثُمَّ قِيلَ كَرَاهَتُهُ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ، وَقُبِلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ وَالْأَوَّلُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ التَّحْرِيمِ. وَلَوْ أَكَلَتْ فَأْرَةً ثُمَّ شَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهِ الْمَاءَ تَنَجَّسَ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لَغُسْلِهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ لِلضَّرُورَةِ.
(وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ) مَكْرُوهٌ لِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا لَا يُكْرَهُ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْمُخَالَطَةِ (وَ) كَذَا سُؤْرُ (سِبَاعِ الطَّيْرِ) لِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ فَأَشْبَهَ الْمُخَلَّاةَ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُؤَوَّلٌ دُونَ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَيَقْوَى حَدِيثُ عَائِشَةَ بِقُوَّةِ حَالِهَا وَقُوَّةُ دَلَالَتِهِ تُعَارِضُ الْمُحَرَّمَ، وَحُمِلَ مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ إصْغَاءِ الْإِنَاءِ لَهَا عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ.
وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ قِيلَ كَرَاهَتُهُ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ) هُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إلَى التَّحْرِيمِ أَقْرَبُ (وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ)؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْجِيَفَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَرَاهَتَهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْأَثَرِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَكَلَتْ) يَعْنِي الْهِرَّةَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ: (وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لِغَسْلِ فَمِهَا بِلُعَابِهَا؛ لِأَنَّهُمَا يُجَوِّزَانِ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّ الصَّبَّ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلتَّطْهِيرِ فِي الْعُضْوِ وَسَقَطَ هَاهُنَا لِلضَّرُورَةِ.
قَالَ (وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ مَكْرُوهٌ) الْمُخَلَّاةُ هِيَ الْجَائِلَةُ فِي عَذِرَاتِ النَّاسِ وَالْمَحْبُوسَةُ عَلَى خِلَافِهَا، وَالْمَحْبُوسَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً لِلتَّسْمِينِ وَيَكُونُ رَأْسُهَا وَأَكْلُهَا وَشُرْبُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ، وَالْأُولَى تَجُولُ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا دُونَ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ (بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا) إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ لِيَكُونَ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْكَرَاهَةِ، وَفِي الْقِيَاسِ نَجِسٌ اعْتِبَارًا بِسِبَاعِ الْوَحْشِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute