للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ،

شُمُولَ الطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ، وَحَلُّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْمِ الطَّاهِرُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ اللُّعَابُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَبِالنَّجِسِ مَا يُقَابِلُهُ، وَطَهَارَةُ سُؤْرِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فِي رِوَايَةٍ وَالْهِرَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي النَّجَاسَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلدَّمِ الْمَسْفُوحِ قَبْلَ الذَّبْحِ، فَإِنَّ الشَّاةَ لَا تُؤْكَلُ إذَا مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا، وَاشْتَرَكَا فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ لِزَوَالِ الْمُنَجِّسِ وَهُوَ الدَّمُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الشَّاةَ تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْكَلْبِ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ الشَّاةِ دُونَ الْكَلْبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الظَّاهِرِ إلَّا اخْتِلَاطُ اللُّعَابِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ اللَّحْمِ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللُّعَابَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ اللَّحْمِ الْمَأْكُولِ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ بِلَا كَرَاهَةٍ دُونَ غَيْرِهِ إضَافَةً لِلْحَكَمِ إلَى الْفَارِقِ صِيَانَةً لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ ظَاهِرًا، هَذَا مَا سَنَحَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ سُؤْرَ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ (نَجِسٌ) وَقَوْلُهُ: (تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ وَلِلنَّجَاسَةِ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةً بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَالنَّجَاسَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مُرَجِّحُ النَّجَاسَةِ،؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَجَّحَ الْمُحَرِّمُ تَتَرَجَّحُ النَّجَاسَةُ أَيْضًا لِامْتِنَاعِ الطَّهَارَةِ مَعَ الْحُرْمَةِ.

وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِحِلِّ طَعَامٍ وَآخَرُ بِحُرْمَتِهِ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ خَبَرُ الْحِلِّ، وَبِمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَآخَرُ بِنَجَاسَتِهِ تُرَجَّحُ الطَّهَارَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَعَارُضَ الْخَبَرَيْنِ فِي الطَّعَامِ يُوجِبُ التَّهَاتُرَ وَالْعَمَلَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحِلُّ، وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ الْحُرْمَةِ بِالِاحْتِيَاطِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَكْذِيبَ الْمُخْبِرِ بِالْحِلِّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فَأَمَّا أَدِلَّةُ الشَّرْعِ فِي حِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ فَتُوجِبُ التَّرْجِيحَ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ تَقْلِيلُ النَّسْخِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَكَذَا تَعَارُضُ الْخَبَرَيْنِ فِي الْمَاءِ يُوجِبُ التَّهَاتُرَ وَالْعَمَلَ بِالْأَصْلِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي اخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَبَقِيَ الْمَاءُ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْ اخْتَلَطَ اللُّعَابُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ بِيَقِينٍ وَقَدْ تَرَجَّحَ جِهَةُ الْحُرْمَةُ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَجِبُ تَرْجِيحُ النَّجَاسَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ.

وَقَوْلُهُ: (وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>