فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ (وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَخْتَلِفُ.
لَيْسَ هَذَا كَغَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَكَا فِي إتْلَافِ شَاةِ الْغَيْرِ كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ صَيْدٍ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَنَاطَ الْإِلْحَاقِ مُدَارٌ بِهِ الْإِتْلَافُ لِلضَّمَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَالِاتِّحَادُ فِي جَمِيعِ الْجِهَاتِ يَرْفَعُ التَّعَدُّدَ وَيُبْطِلُ الْقِيَاسَ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّصِّ الْقَاطِعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا﴾ نَصٌّ عَلَى التَّعَمُّدِ وَهُوَ يُخَالِفُ النِّسْيَانَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ النِّسْيَانِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﷺ «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ عَمْدٍ وَنِسْيَانٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵃.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: مُتَعَمِّدًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا التَّنْبِيهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى أَنَّ صِفَةَ التَّعَمُّدِ فِي الْقَتْلِ تَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَاهُنَا بِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي الْعَمْدِ فَلَأَنْ تَجِبَ فِي الْخَطَأِ أَوْلَى، (وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ) فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (سَوَاءٌ)؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ كَمَا وُجِدَتْ ابْتِدَاءً فَقَدْ وُجِدَتْ انْتِهَاءً فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، فَلَوْ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ بَطَلَتْ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ جَعَلَ كُلَّ جَزَائِهِ بِالْفَاءِ انْتِقَامَ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ مُوجِبٌ سِوَاهُ كَمَا عُرِفَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُتَمَسَّكُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ فِي أَنَّ مُوجِبَ الْعَائِدِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَيَنْتَقِمَ اللَّهُ مِنْك، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ إذَا عَادَ مُسْتَحِلًّا أَوْ مُسْتَحِقًّا بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى بَابِ الرِّبَا ﴿وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ الْآيَةَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute