وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَنَظِيرُهُ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ.
(وَإِنْ أَصَابَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ، فَإِنَّ الصَّيْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْخَمْرَ (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاؤُهُ)؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ، وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ، وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا (وَيَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ) وَقَالَ زُفَرٌ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُؤَاخَذٌ بِصُنْعِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ.
وَلَنَا أَنَّ الْآخِذَ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ، فَهُوَ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ.
وَلَكِنْ وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمِلْكِ تَرْكًا لِلتَّعَرُّضِ الْوَاجِبِ التَّرْكِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ) لَا الْإِخْرَاجُ عَنْ مِلْكِهِ، (وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ عَنْهُ يَدَهُ) بِالْإِرْسَالِ (كَانَ مُتَعَدِّيًا) فَيَضْمَنُ، (وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ)، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الضَّمَانُ لِغَيْرِ لَهْوٍ.
وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ أَصَابَ مُحْرِمٌ صَيْدًا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمِنِ)، وَالتَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الْمُوجِبَةِ لِلْجَزَاءِ، (وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْأَخْذِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِرْسَالِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِهِ وَتَقَرَّرَ التَّعَرُّضُ، (وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا)، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ بِمَا أَقَرُّوا بِشَهَادَتِهِمْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ عَلَى مَا عُرِفَ، (ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ) بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْجَزَاءِ، (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُ) لِأَنَّ الْآخِذَ إنَّمَا أَخَذَ بِصُنْعِهِ، وَمَنْ أَخَذَ بِصُنْعِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ لِئَلَّا يَسْتَلْزِمَ تَنْزِيلَ الرَّاجِعِ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، كَمُسْلِمٍ غَصَبَ خِنْزِيرَ ذِمِّيٍّ، فَأَتْلَفَهُ فِي يَدِهِ آخَرُ فَضَمَّنَ الذِّمِّيُّ الْغَاصِبَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُتْلِفِ بِشَيْءٍ، (وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ، فَهُوَ) أَيْ: الْقَاتِلُ (بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً، فَيَكُونُ) قَتْلُهُ (فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ) كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute