فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأُولَى لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأُولَى لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى وَعَلَيْهِ دَمٌ قَصَّرَ أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ
جِنَايَةً وَلِهَذَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَ إدْخَالَ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ لِقُوَّةِ حَالِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فَرْضًا، ثُمَّ إدْخَالَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْكَيْفِيَّةِ وَكَمِّيَّةِ الْأَفْعَالِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، لَكِنْ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا، وَلَا كَلَامَ هَاهُنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ رُكْنٌ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَعِنْدَنَا شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ، لَكِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا لِلْأَدَاءِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْأَدَاءُ.
وَأَدَاءُ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ مَعًا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِحْرَامُ لَهُمَا كَالتَّحْرِيمَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُمَا يَقُولَانِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ الْتِزَامٌ مَحْضٌ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ مُنْفَصِلًا عَنْ الْأَدَاءِ وَالذِّمَّةُ تَسَعُ حِجَجًا كَثِيرَةً فَصَارَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالنَّذْرِ بِخِلَافِ التَّحْرِيمَةِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مُنْفَصِلَةً عَنْ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا إمَّا احْتِرَازًا عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ لِلْأَدَاءِ لَا لِلِالْتِزَامِ وَالْجَمْعُ أَدَاءٌ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، فَبَعْدَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا تَوَجَّهَ إلَى أَدَاءِ أَحَدِهِمَا صَارَ رَافِضًا لِلْأُخْرَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كَمَا فَرَغَ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ يَصِيرُ رَافِضًا أَحَدَهُمَا. وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَتَلَ صَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ إلَى هَدْيَيْنِ لِلتَّحَلُّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
إذَا عَرَفْت هَذَا نَعُودُ إلَى تَطْبِيقِ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى (فَإِنْ حَلَقَ فِي) الْحَجَّةِ (الْأُولَى) ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى (لَزِمَتْهُ الْأُخْرَى) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْتِزَامٌ مَحْضٌ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ نِهَايَتَهَا (وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأُولَى) وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ، فَبَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَحْلِقَ لِلْأُولَى فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَلْقَ إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ حَلَقَ فَقَدْ تَحَلَّلَ عَنْ الْأُولَى، وَلَكِنْ جَنَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْحَلْقِ، وَإِنْ أَخَّرَ فَقَدْ أَخَّرَ الْحَلْقَ فِي الْأُولَى عَنْ وَقْتِهِ، وَالتَّأْخِيرُ عَنْ الْوَقْتِ مَضْمُونٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ قَصَّرَ أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ) أَيْ حَلَقَ أَوْ لَمْ يَحْلِقْ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute